فصل: قال ابن كثير:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

قال الفرّاء: هذا أمر في لفظ الاستفهام كقوله: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ} [المائدة: 91] في آية تحريم الخمر. اهـ.

.قال السمرقندي:

{أَفَلاَ يَتُوبُونَ إلى الله} من النصرانية، {وَيَسْتَغْفِرُونَهُ} عن مقالتهم الشرك، فإن فعلوا فإنَّ {الله غَفُورٌ} للذنوب {رَّحِيمٌ} بقبول التوبة، ويقال: قوله: {أَفَلاَ يَتُوبُونَ إلى الله وَيَسْتَغْفِرُونَهُ} لفظه لفظ الاستفهام والمراد به الأمر فكأنه قال: توبوا إلى الله، وكذلك كل ما يشبه هذا في القرآن، مثل قوله: {أتصبرون} يعني: اصبروا. اهـ.

.قال ابن كثير:

{أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} وهذا من كرمه تعالى وجوده ولطفه ورحمته بخلقه، مع هذا الذنب العظيم وهذا الافتراء والكذب والإفك، يدعوهم إلى التوبة والمغفرة، فكل من تاب إليه تاب عليه. اهـ.

.قال أبو حيان:

{أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه} هذا لطف بهم واستدعاء إلى التنصل من تلك المقالة الشنعاء بعد أن كرّر عليهم الشهادة بالكفر.
والفاء في أفلا للعطف، حجزت بين الاستفهام ولا النافية، والتقدير: فألا.
وعلى طريقة الزمخشري تكون قد عطفت فعلًا على فعل، كأن التقدير: أيثبتون على الكفر فلا يتوبون، والمعنى على التعجب من انتفاء توبتهم وعدم استغفارهم، وهم أجدر الناس بذلك، لأن كفرهم أقبح الكفر، وأفضح في سوء الاعتقاد، فتعجب من كونهم لا يتوبون من هذا الجرم العظيم.
وقال الفراء: هو استفهام معناه الأمر كقوله: {فهل أنتم منتهون} قال: إنما كان بمعنى الأمر، لأنّ المفهوم من الصيغة طلب التوبة والحث عليها، فمعناه: توبوا إلى الله واستغفروه من ذنبكم القولين المستحيلين انتهى.
وقال ابن عطية: رفق جل وعلا بهم بتحضيضه إياهم على التوبة وطلب المغفرة انتهى.
وما ذكروه من الحث والتحضيض على التوبة من حيث المعنى، لا من حيث مدلول اللفظ، لأن أفلا غير مدلول ألا التي للحض والحث.
{والله غفور رحيم} نبه تعالى على هذين الوصفين اللذين بهما يحصل قبول التوبة والغفران للحوبة، والمعنى: كيف لا توجد التوبة من هذا الذنب وطلب المغفرة والمسؤول منه ذلك متصف بالغفران التام والرحمة الواسعة لهؤلاء وغيرهم؟. اهـ.

.قال الألوسي:

والاستفهام في قوله تعالى: {أَفَلاَ يَتُوبُونَ إلى الله وَيَسْتَغْفِرُونَهُ} للإنكار، وفيه تعجيب من إصرارهم أو عدم مبادرتهم إلى التوبة، والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام، أي ألا ينتهون عن تلك العقائد الزائغة والأقوال الباطلة فلا يتوبون إلى الله تعالى الحق ويستغفرونه بتنزيهه تعالى عما نسبوه إليه عز وجل، أو يسمعون هذه الشهادات المكررة والتشديدات المقررة فلا يتوبون عقيب ذلك {والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} فيغفر لهم ويمنحهم من فضله إن تابوا، والجملة في موضع الحال، وهي مؤكدة للإنكار والتعجيب، والإظهار في موضع الإضمار لما مر غير مرة. اهـ.

.قال ابن عاشور:

ولمّا توعّدهم الله أعقب الوعيد بالترغيب في الهداية فقال: {أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه}.
فالتّوبة هي الإقلاع عمّا هو عليه في المستقبل والرجوعُ إلى الاعتقاد الحقّ.
والاستغفار طلب مغفرة ما سلف منهم في الماضي والنّدمُ عمّا فرط منهم من سوء الاعتقاد.
وقوله: {والله غفور رحيم} تذييل بثناء على الله بأنّه يغفر لمن تاب واستغفر ما سلف منه، لأنّ {غفور رحيم} من أمثلة المبالغة يدلاّن على شدّة الغفران وشدّة الرّحمة، فهو وعد بأنّهم إن تابوا واستغفروه رفَع عنهم العذَابَ برحمته وصفح عمّا سلف منهم بغفرانه. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله تعالى: {أفَلا يَتُوبُونَ}: تقدَّم نظيره مرارًا، وأنَّ فيه رأيين: رأيُ الجمهور: تقديمُ حرفِ العطف على الهمزة تقديرًا، ورأيُ أبي القاسِمِ: بقاؤه على حاله وحذفُ جملةٍ معطوفٍ هذا عليها، والتقديرُ: أيثبُتُونَ على كُفرِهِمْ، فلا يتُوبُونَ، والاستفهامُ فيه قولان:
أظهرهما: أنه للتعجب من حالهم: كَيْفَ لا يتوبُونَ ويستغفُرونَ من هذه المقالةِ الشَّنعاء؟
والثاني: أنه بمعنى الأمر، وهو رأي ابن زياد الفَرَّاء؛ كأنه قال: تُوبُوا واسْتَغْفِرُوا من هاتيْنِ المقالتيْنِ؛ كقوله تعالى: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ} [المائدة: 91].
وكلامُ ابن عطيَّة يُفْهِم أنه للتحضيضِ، قال: «رَفَقَ جَلَّ وعلا بهمْ بتحضيضهِ إياهُمْ على التوبة وطلب المغفِرَةِ»، يعني بذلك من حيث المعنى، وإلاَّ فَفَهْمُ التحضيض من هذا اللفظ غيرُ مُسَلَّم، وكيف يُعْقَلُ أنَّ حرف العطفِ فصلَ بين الهمزة و«لا» المفهمةِ للتحضيض؟ فإنْ قلت: هذا إنما يُشْكِلُ على قولنا: إنَّ «ألاَ» التحضيضية بسيطةٌ غيرُ مركَّبةٍ، فلا يُدَّعى فيها الفصلُ بحرفِ العطف، أما إذا قلنا: إنها همزةُ الاستفهام دَخَلَتْ على «لا» النافيةِ، وصارَ معناهما التحضيضَ، فلا يَضُرُّ الفصلُ بحرف العَطْف؛ لأنه عُهِد في «لا» النافيةِ الداخلِ عليها همزةُ الاستفهام، فالجواب: أنه لا يجوزُ مطلقًا؛ لأنَّ ذلك المعنى قد انسلخ وحدثَ معنى آخرُ، وهو التحضيضُ؛ فلا يلزم من الجوازِ في الأصْلِ الجوازُ بعد حدوثِ معنى جديد. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
قوله: {أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} لم يُغْلِقُ بابَ التوبة عليهم- مع قبيح أقوالهم، وفساد عقائدهم- تضعيفًا لآمال المؤمنين بخصائص رحمته. اهـ.

.تفسير الآية رقم (75):

قوله تعالى: {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما أبطل الكفر كله بإثبات أفعاله من إرساله وإنزاله وغير ذلك من كماله، وأثبت التوحيد على وجه عام، أتبع ذلك تخصيص ما كفر به المخاطبون بالإبطال، فكان ذلك دليلًا على وجه عام، أتبع ذلك تخصيص ما كفر به المخاطبون بالإبطال فكان ذلك دليلًا خاصًا بعد دليل عام، فقال تعالى على وجه الحصر في الرسلية ردًا على من يعتقد فيه الإلهية واصفًا له بصفتين لا يكونان إلا لمصنوع مربوب: {ما المسيح} أي الممسوح بدهن القدس المطهر المولود لأمه {ابن مريم إلا رسول} وبين أنه ما كان بدعًا ممن كان قبله من إخوانه بقوله: {قد خلت من قبله الرسل} أي فما من خارقة له، وإلا وقد كان مثلها أو أعجب منها لمن قبله كآدم عليه السلام في خلقه من تراب، وموسى عليه السلام في قلب العصى حية تسعى- ونحو ذلك.
ولما كفروا بأمه أيضًا عليهما السلام بين ما هو الحق في أمرها فقال: {وأمه صدّيقة} أي بليغة الصدق في نفسها والتصديق لما ينبغي أن يصدق، فرتبتها تلي رتبة الأنبياء، ولذلك تكون من أزواج نبينا صلى الله عليه وسلم في الجنة.
وهذه الآية من أدلة من قال: إن مريم عليها السلام لم تكن نبية، فإنه تعالى ذكر أشرف صفاتها في معرض الرد على من قال بإلهيتهما إشارة إلى بيان ما هو الحق في اعتقاد ما لهما من أعلى الصفات، وأنه من رفع واحدًا منها فوق ذلك فقد أطراه، ومن نقصه عنه فقد ازدراه، فالقصد العدل بين الإفراط والتفريط باعتقاد أن أعظم صفات عيسى عليه السلام الرسالة، وأكمل صفات أمه الصديقية.
ولما كان المقام مقام البيان عن نزولهما عن رتبة الإلهية، ذكر أبعد الأوصاف منها فقال: {كانا يأكلان الطعام} وخص الأكل لأنه مع كونه ضعفًا لازمًا ظاهرًا هو أصل الحاجات المعترية للإنسان فهو تنبيه على غيره، ومن الأمر الجلي أن الإله لا ينبغي أن يدنو إلى جنابه عجز أصلًا، وقد اشتمل قوله تعالى: {وقال المسيح} وقوله: {كانا يأكلان الطعام} [المائدة: 75] على أشرف أحوال الإنسان وأخسها، فأشرفها عبادة الله، وأخسها الاشتغال عنها بالأكل الذي هو مبدأ الحاجات.
ولما أوضح ما هو الحق في أمرهما حتى ظهر كالشمس بُعدُهما عما أدعوه فيهما، أتبعه التعجب من تمام قدرته على إظهار الآيات وعلى الإضلال بعد ذلك البيان فقال: {انظر كيف نبين لهم الآيات} أي نوضح إيضاحًا شافيًا العلامات التي من شأنها الهداية إلى الحق والمنع من الضلال؛ ولما كان العمى عن هذا البيان في غاية البعد، أشار إليه بأداة التراخي فقال: {ثم انظر أنَّى} أي كيف ومن أين؛ ولما كان العجب قبولهم للصرف وتأثرهم به، لا كونه من صارف معين، بنى للمفعول قوله: {يؤفكون} أي يصرفون عن الحق وبيان الطريق صرفَ من لا نور له أصلًا من أي صارف كان، فصرفهم في غاية السفول، وبيان الآيات في غاية العلو، فبينهما بون عظيم. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{مَّا المسيح ابن مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرسل وَأُمُّهُ صِدّيقَةٌ} أي ما هو إلا رسول من جنس الرسل الذين خلوا من قبله جاء بآيات من الله كما أتوا بأمثالها، فإن كان الله أبرأ الأكمه والأبرص وأحيا الموتى على يده فقد أحيا العصا وجعلها حية تسعى وفلق البحرعلى يد موسى، وإن كان خلقه من غير ذكر فقد خلق آدم من غير ذكر ولا أنثى {وَأُمُّهُ صِدّيقَةٌ} وفي تفسير ذلك وجوه: أحدها: أنها صدقت بآيات ربها وبكل ما أخبر عنه ولدها.
قال تعالى في صفتها {وَصَدَّقَتْ بكلمات رَبَّهَا وَكُتُبِهِ} [التحريم: 12] وثانيها: أنه تعالى قال: {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} [مريم: 17] فلما كلمها جبريل وصدقته وقع عليها اسم الصديقة، وثالثها: أن المراد بكونها صديقة غاية بعدها عن المعاصي وشدة جدها واجتهادها في إقامة مراسم العبودية، فإن الكامل في هذه الصفة يسمى صديقًا قال تعالى: {فَأُوْلَئِكَ مَعَ الذين أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم مّنَ النبيين والصديقين} [النساء: 69].
ثم قال تعالى: {كَانَا يَأْكُلاَنِ الطعام}.
واعلم أن المقصود من ذلك: الاستدلال على فساد قول النصارى، وبيانه من وجوه: الأول: أن كل من كان له أم فقد حدث بعد أن لم يكن، وكل من كان كذلك كان مخلوقًا لا إلها، والثاني: أنهما كانا محتاجين، لأنهما كانا محتاجين إلى الطعام أشد الحاجة، والإله هو الذي يكون غنيًا عن جميع الأشياء، فكيف يعقل أن يكون إلها.
الثالث: قال بعضهم: إن قوله: {كَانَا يَأْكُلاَنِ الطعام} كناية عن الحدث لأن من أكل الطعام فإنه لابد وأن يحدث، وهذا عندي ضعيف من وجوه: الأول: أنه ليس كل من أكل أحدث، فإن أهل الجنة يأكلون ولا يحدثون.
الثاني: أن الأكل عبارة عن الحاجة إلى الطعام، وهذه الحاجة من أقوى الدلائل على أنه ليس بإله، فأي حاجة بنا إلى جعله كناية عن شيء آخر.
الثالث: أن الإله هو القادر على الخلق والايجاد، فلو كان إلها لقدر على دفع ألم الجوع عن نفسه بغير الطعام والشراب، فما لم يقدر على دفع الضرر عن نفسه كيف يعقل أن يكون إلها للعالمين، وبالجملة ففساد قول النصارى أظهر من أن يحتاج فيه إلى دليل. اهـ.